اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 212
أنها كانت تتحكم بموضعها في الممرات الجبلية التي تعترض طرق التجارة بين جنوب بلاد النهرين وجنوب الشام من ناحية، وبين فلسطين ومصر من ناحية أخرى.
وتعنينا خطط تحوتمس الثالث في معالجة مشكلات عصره من نواحٍ ثلاثة، وهي: دلالتها على التكتيك الحربي في عهده. وتعبيرها عن تقليد عسكري مستحب وهو حرص الفرعون على تبادل الرأي مع ضباط جيشه عند مواجهة مفاجآت الحرب وقبل دخول المعارك الكبيرة. ثم نجاحها في إعادة الاستقرار المنشود إلى ربوع الشرق الأدنى. فقد لجأ تحوتمس إلى سرعة الإعداد، ولم يقض في مصر غير شهور قلائل منذ انفراده بالحكم، واعتزم الهجوم الخاطف وسرعة التنفيذ. وخرج بجيشه في 16 أبريل 1468، وقطع بجيشه ما بين 125 ميلًا و150 ميلًا من المنطقة الصحراوية الممتدة بين مدينة ثارو "تل أبو صيفة شرق القنطرة الحالية" وبين غزة في تسعة أيام أو عشرة، أي بمعدل ما بين 12.5 و15 ميلًا في اليوم الواحد، على الرغم من صعوبة الطريق وعلى الرغم من أن جيشه بلغ ما بين عشرة آلاف وخمسة عشر ألفًا أغلبهم من المشاة. وأقام تحوتمس في غزة يومًا واحدًا احتفل فيه بعيد توليته، ثم واصل الزحف بجيشه حتى بلغ مشارف جبل الكرمل في أحد عشر يومًا أو اثنى عشر يومًا قطع فيها ثمانين ميلًا. ونزل في بلدة "يحم" "فيما يوازي 7 مايو 1468"، عند مفترق ثلاثة طرق تنتهي جميعها إلى مجدو، وكان أقصر هذه الطرق طريق وعر ضيق ذكره المصريون باسم طريق عارونا، يمر خلال شعب من جبال الكرمل وينفذ رأسًا إلى مجدو، أما الطريقان الآخران طريق تاعاناقا وطريق جفتي، فكلاهما رحب متسع، غير أن كلًّا منهما طويل وينعطف في نهايته بعيدًا بعض الشيء عن مجدو، وعقد تحوتمس مجلس حربه، وقال لقادته: "الآن دخل العدو مدينة مجدو، وضم إليه أمراء الأقطار ... بخيلهم ورجلهم". ثم عرض عليهم أمر الطرق الثلاثة وطلب منهم رأيهم في اختيار الطريق المناسب وقال لهم "أفتوني بما في نفوسكم". وشعر القادة بأن فرعونهم يميل إلى سلوك الطريق القصير الضيق، فقالوا: "وكيف يتيسر المسير على طريق وعر بالغ الضيق؟ " ثم شك بعضهم في الأنباء التي بلغت الفرعون عن دخول الأعداء في مدينة مجدو، وخشوا أن يحتل الأعداد مرتفعات الطريق الضيق ويتعقبوهم أو يحتلوا مخرجه ويتصيدوهم، فقالوا له: "هناك نبأ يقول بأن الأعداء لا زالوا في الخلاء، يفوقون الحصر عدًّا، ثم إنه لن يستطيع جواد أن يسير بجوار جواد في هذا الطريق الضيق، فضلًا عن الجنود والمدنيين، وقد تقاتل مقدمتنا هناك وتظل مؤخرتنا هنا في عارونا بغير قتال ... ، ومعنى ذلك أن ما يناسبنا جميعًا هو الطريق المتسع، سواء الطريق المؤدي إلى تاعاناقا، أو الطريق الآخر المؤدي إلى شمال جفتي، وعلينا بعد ذلك أن نتجه شمال مجدو، فليسلك مولانا الهمام أي طريق شاء من الطريقين "الواسعين"، ولكن لا يجبرنا على أن نسير في الطريق الحزون". وهكذا دبر القادة أمرهم، وحاولوا تبرير رأيهم، وأرادوا أن يؤمنوا جيشهم ضد مفاجآت الطريق، ولكهم فضلوا الحذر واللباقة، فتركوا لفرعونهم حرية اختيار أصلح الطريقين المتسعين.
ولم يتكلم تحوتمس لتوه، وأراد أن يقنع القادة المتشككين، بصدق ما أخبرهم به عن دخول الأعداء إلى مدينة مجدو، فاستدعى عيونه وأمرهم أن يعيدوا على مجلس الحرب ما سبق أن أنبئوه به عن مواقع الأعداء.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 212