اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 211
يستخدمها أهل بوينة في أعيادهم وأفراحهم، ومجموعة من كلاب الصيد والزراف والقرود. وكان قد صحب الرحلة فنان كبيرة تولى بعد عودته نقش مناظرها ومراحلها على جدران المسطح الأول لمعبد ملكته في الدير البحري[1]، وصور معها خصائص قرى بلاد بوينة بنخيلها وأكواخها العالية التي تقوم على أعمدة من سيقان الأشجار ويصعد إليها أصحابها على سلالم خشبية متنقلة، وصور حيواناتها وبعض خصائص سكانها، وسجل معها لوحته الفكاهية الطريفة التي صور فيها أميرة بوينة بدينة ذات أرداف ثقيلة تقف مع زوجها، وصور معهما حمارًا صغيرًا كتب عنه أنه الحمار الذي يحمل زوجته، تلاعبًا باللفظين بين الزوج الآدمي والزوج الحيواني، وإشفاقًا على الحمار الصغير من حمل ذلك الثقل الكبير.
انفر تحوتمس الثالث "من خبر رع" أعظم رجال الحرب من الفراعنة المصريين بالعرش عام 1468ق. م أو نحوه. وكان نفس الغلام الذي أشركته حاتشبسوت معها في بداية حكمها ثم نحته عن الحكم وأجبرته على الانطواء في معبد آمون "ص207". وعندما اعتلى العرش منفردًا واجه مشكلة واسعة هددت زعامة مصر وسمعتها الدولية في الشرق الأدنى، وكان عليه أن يتحداها ويثبت كفايته لحلها. وتفرقت مواطن هذه المشكلة في نواحٍ من بلاد الشام وأطراف بلاد النهرين، وكانت عواملها ثلاثة، وهي: اهتمام عهد حاتشبسوت بسياسته الإفريقية أكثر من اهتمامه بسياسته الآسيوية، مما بعد بعض الشيء بين مصر وبين جيرانها أهل الشام. وأمل دولة المتيانيين التي بدأت تلم شملها وتعترف بملك واحد في أن يصبح لها ضلع في توجيه أحوال الشرق الأدنى وتجارته، لا سيما وأن موقعها على الفرات وامتدادها إلى شرقه نحو دجلة سمح لها بمركز تجاري متوسط يمكن أن تتحكم به في مداخل التجارة السورية العراقية ويمكن أن تتنافس مصر به[2]. ثم اتجاه حكامها إلى شغل مصر عنهم بإثارة الاضطرابات ضدها، وقد استجاب لتحريضاته بالفعل بعض حكام الشام وشيوخ بدوها، لا سيما وأنه كانت لا تزال تعيش بينهم بقية من ذراري الهكسوس الذين طردهم المصريون من بلادهم شر طردة[3].
وتمخضت هذه العوامل الثلاث عن تحالف ضم عددًا من رؤساء القبائل والمدن الشامية، وتزعمه أمير قادش، وكان فيما يحتمل ميتاني الأصل، أو كان على الأقل كبير المستجيبين للميتان والضالعين معهم. وقد اتجه بحلفائه وخيلهم ورجلهم، على حد تعبير النصوص المصرية[4]، إلى شمال فلسطين وسيطر على مدينة مجدو وجعلها مركزًا لأطماعه، ومد نفوذه حتى مدينة شاروحين معقل الهكسوس القديم. وتمثلت أهمية مجدو "التي قد يعني اسمها معنى الحصن أو القاطع، وقامت على أطلالها بلدة تل المتسلم الحالية" في [1] E. Naville, The Temple Of Deir Sl-Bahari, Vol. Iii; Brunner-Traut, E., “Die Krankheit Der Fursten Von Punt”, Welt Des Orients, X “1957”, 307-11. [2] J. Nilson, The Collapse Of An Ancient Civilisation, 1940, 4. [3] See, Ibid., 2; Sethe, Zaes, Xlvii, 84; Jea, V, 54, N. 2; Ancient Records, Ii, 636. [4] Urk., Iv, 649.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 211