من
السلطات الفرنسية، وكان عدد هؤلاء الرومانسيين المساكين غير قليل، منذ فر قائد
قوات المظلات في العام السابق. وكم كان الموت يجذبهم! وكانت منظمة الجيش السري قد
جندت عددا منهم ضمن قوات خاصة (كوماندوز). ومن ثم وجدوا انفسهم بين نارين. كما أن
فرص نجاتهم من الموت كانت ضئيلة جدا. وكنت، بصفتي ممثلا للقنصلية العامة
الالمانية، أضع الزهور على قبور الكثير منهم.
كنت،
وأنا أبحث عن ألمان بين الجرحى في المستشفيات، أحمل سلاحي معدا للاستخدام. وكنت
أدقق النظر في وجه من يقابلني، بل وفي يديه. وعندما كانت القامات تتقابل، كان كل
شخص يبتعد عن الآخر عائدا الى الخلف، طلبا للامان، وفي بعض الأحيان كانت زوجتي المذعورة
تصر على حماية ظهري، فكانت تسير خلفي على مسافة عدة خطوات حاملة في كم ثوبها سكينا
حادة.
سكت
قليلا، يسترجع ذكرياته، ثم قال: ما تزال بعض ذكريات تلك الايام تثير كآبة في نفسي
حتى الآن، فعندما كنت في طريقي إلى مقر إذاعة فرنسا 5، حيث كان من المقرر أن ألقي،
تنفيذا لتكليف من القنصل العام، محاضرة عن (وضع الرقص المسرحي) في ألمانيا، تعطلت
مضخة البنزين في سيارتي في شارع ايزلي الضيق، كثير المنحنيات، وسرعان ما اصطفت
السيارات خلف سيارتي، مطلقة اصوات النفير، وفي تلك الاثناء، كان امامي رجل يعبر
الشارع، واطلق عليه شخص الرصاص من الرصيف المقابل، فسقط جريحا أمام رفرف سيارتي
الايسر، واذا بالمهاجم يشير لي بسلاحه آمرا ان اواصل سيري، كي اخلي ساحة اطلاق
الرصاص.
ولم اكن
ارغب في ذلك، بل ولم اكن استطيعه ايضا، وأخيرا، تقدم الشخص الذي يحمل السلاح من
الرجل المصاب وأطلق عليه رصاصة اخرى أردته قتيلا، ثم اختفى في زحام البشر في تؤدة
وعلى مهل، ولقد استأت كثيرا ايضا، عندما رأيت مضطرا اعضاء منظمة الجيش السري، وهم
يشعلون النار في سيارات شحنوها سلفا ببراميل من الوقود، ويدفعونها من فوق