منحدر
الى حي يسكنه العرب، ولا بد للمرء من ان يتوقع ان يكون على قائمة القتلى، اذا ما
اصبح شاهدا غير مرغوب فيه.
وكان
حلاقي في الابيار يدرك ذلك جيدا، فحين هاجمت قوات (منظمة الجيش السري) مكتب
التلغراف المقابل لمحله في شارع جاليني، ادار مقعده حتى لا يكون شاهدا على ما
يجري. ولم يكن تصرفه اقل غرابة من تصرف احد افراد الشرطة الذي عرض عليّ في مايو
(ايار) عام 1962 ان يحرس سيارتي، بينما كانت النيران مشتعلة خلف ظهره في مكتبه
بالابيار.
عندما
توصل الرئيس الفرنسي شارل ديجول، في ايفيان في مارس (اذار) عام 1962، الى اتفاق مع
الحكومة المؤقتة لجبهة التحرير الوطني الجزائري على وقف اطلاق النار في يوليو
(تموز) التالي، صعدت منظمة الجيش السري من اعمالها الارهابية، بهدف استفزاز
الجزائريين لخرق الاتفاق، فبدأ أفرادها في تصفية النشء الاكاديمي الجزائري، وراحوا
يقتلون، رميا بالرصاص، النساء اللاتي يرتدين الحجاب.
وقبل تحقيق
الاستقلال بأيام قلائل، اطلقوا الرصاص على آخر بائع جزائري جائل في الابيار،
فأردوه قتيلا أمام مكتبي مباشرة، وكان هذا البائع قد عاش ينادي على أسماكه منذ
عقود طويلة، دون أن يلحق أذى بأي إنسان كائنا من كان، وفي الشارع الذي كنت اقطنه،
كان جيراني من الفرنسيين يلقون من النوافذ على المنتصرين بكل ما لا يبخلون به.
قلت:
فقد عرفت المسلمين إذن انطلاقا من هذه المشاهد المأساوية؟
قال:
أجل.. لقد شكلت هذه الوقائع الحزينة خلفية أول احتكاك لي عن قرب بالاسلام المعيش،
وقد لاحظت مدى تحمل الجزائريين لآلامهم، والتزامهم الشديد في رمضان، ويقينهم بأنهم
سينتصرون، وسلوكهم الانساني، وسط ما يعانون من آلام. وكنت ادرك ان لدينهم دورا في
كل هذا.
ولقد
أدركت إنسانيتهم في أصدق صورها، حينما تعرضت زوجتي للاجهاض تحت تأثير