تأملت ما يحمله هذا الشعاع
من بشارات، وتذكرت مواقف الأنبياء والأولياء الذين لم تتزعزع قلوبهم، وهم يرون
المشانق منصوبة لهم.
تذكرت إبراهيم u، وهو يلقى في المنجنيق
ليرمى به إلى ما أضْرَم له أعداء الله من النار، فلم يتحرك قلبه، ولم ترتعد
فرائصه، بل بقي كالطود الأشم لا تزعزعه الرياح، بل سرت السكينة من باطنه إلى ظاهره
إلى ما حوله، فأطفأت ببرودتها وسلامها نار النمروذ وزبانيته.
جمعوا الحطب شهرا ثم أوقدوها،
واشتعلت واشتدت، حتى أن الطائر كان يمر بجنباتها فيحترق من شدة وهجها.
ثم قيدوا إبراهيم ووضعوه في
المنجنيق مغلولا، وغفلوا أن يقيدوا سكينته، أو عجزوا أن يقيدوها.
وحينذاك ضجت السموات والأرض ضجة
واحدة: ربنا! إبراهيم ليس في الأرض أحد يعبدك غيره يحرق فيك فأذن لنا في نصرته.
وكان الله يعلم ما في قلب إبراهيم،
فقال ـ كما يروي المفسرون ـ:( إن استغاث بشيء منكم أو دعاه فلينصره فقد أذنت له في
ذلك وإن لم يدع غيري فأنا أعلم به وأنا وليه )
فلما أرادوا إلقاءه في النار، أتاه
خزان الماء - وهو في الهواء - فقالوا: يا إبراهيم إن أردت أخمدنا النار بالماء.
فقال: لا حاجة لي إليكم.
وأتاه ملك الريح فقال: لو شئت طيرت
النار. فقال: لا.