قلت: وهذا أيضا وارد في
القرآن الكريم، فقد قال تعالى حاكيا عنه:{ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ
قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً}(نوح:5)،
وكأنه u لاجتهاده في الدعوة إلى
الله لا يسكت ليلا أو نهارا.
قال: فكم ترى يكون قد تكلم
من الكلمات؟
قلت: لو كتب كلامه كتبا
لملأ بها سهول الأرض وجبالها.
قال: فاختيار الله تعالى
لهذه الكلمات المدافعة عن المنبوذين ليذكرها في القرآن الكريم، ألا يدلك على
المكانة التي لهم؟.. لا عند نوح u فحسب، بل عند الله، لأن القرآن الكريم لم ينزل ليؤرخ لقوم
نوح u وإنما أنزل ليذكر الحقائق
العظمى التي ينبني عليها الوجود.
قلت: ولكن ما سبب إقبال
الفقراء على الحق وإعراض الملأ أغنياءهم وكبراءهم عنه؟ ولماذا يكون هؤلاء الأراذل
المستضعفون أسرع الناس إلى الحق، فقد قال تعالى في الآيات السابقة:{ وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ
إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْي}(هود: 27)؟
قال: أرأيت جواز دخولك إلى
هذه القصور؟
قلت: نعم، إنه جواز
الافتقار.. ولكن ما علاقته بهذا لأمر؟
قال: لأن الفضل صدقة الله ،
والصدقات لا تكون إلا للفقراء والمساكين، ألم تسمع قوله تعالى:{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ
لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ }(التوبة: 60)