قال: أرأيت لو أن أبا رحيما رأى في
ولده تقصيرا في طلب العلم، ورأى انشغاله باللعب قد ملك عليه كل وقته، فخشي إن نهره
أن ينفلت منه بالكلية، فبحث عن شيخ مرشد، وأعطاه من اللعب التي يرغب فيها الصبيان
الكثير، وقال له:( سيأتيك ابني طالبا اللعب، فلا تعطه اللعبة حتى تعلمه علما)، ثم
قال لابنه:( أي لعبة رغبت فيها.. فافزع إلى فلان، فإن عنده ما تشتهي )
فكان ابنه يذهب إلى ذلك المعلم
ليأخذ اللعب، فلا يتركه المعلم حتى يعلمه ما شاء من العلوم إلى أن زرع الله محبة
العلم في قلبه، فجاءه يوما ليقول له:( لم آتك اليوم لطلب اللعب، وإنما أتيتك لطلب
العلم )
قلت: فما محل هذا المثال من الدعاء؟
قال: لقد علم الله حبنا للدنيا
ولهوها ولعبها.
قلت: نعم، فقد قال تعالى
معبرا عن طبيعة الإنسان:{ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}(العاديات:8)، وقال تعالى:{ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ
حُبّاً جَمّاً}(الفجر:20)
قال: فلو قال لكم الله تعالى:( دعوا
أموالكم وتعالوا إلي ) لم تطيقوا ذلك، لتصوركم أن أموالكم أعظم من الله.
قلت: هذه حقيقة نعيشها، وإن كنا لا
نجرؤ على التصريح بها.
قال: فلذلك جعل الالتجاء إلى بابه،
وطرق خزائن كرمه أسبابا لا لرزقكم فقط، فقد ضمن ذلك لكم، وإنما لتسعدوا بلقائه،
وقد يجعلكم ذلك تطلبونه، ولا تكتفون بالطلب منه.