قلت: كلا، فهات الحقيقة الثانية.
قال: ألا تعلم أن مطالب الإنسان الحقيقة التي يتطلبها استقراره على هذه الأرض لتأدية ما كلف به من وظائف لا يستدعي كل ذلك الكم من الجهود ومن الحزن.
قلت: كيف؟ والضرورات كثيرة، وكل ضرورة تؤدي إلى ضرورات أخرى.. وهكذا تتعقد الحياة ومطالب الحياة.
قال: سبب ذلك ليس مطالب الحياة كما هي، وكما خلقها الله، وإنما هي مطالب الأجواف الفارغة التي تستدعي وديانا كثيرة لتملأها.
قلت: فالمطالب إذن وهمية، والضرورات ليست ضرورات.. كيف هذا؟
قال: سأبين لك هذا بتفاصيله، ولكن قل لي: من كانت له جهة غنية تكفله، ثم كان لا يحتاج إلا إلى حاجات بسيطة أكان ذلك يجعله خائفا؟
قلت: اضرب لي مثالا على ذلك.
قال: رأيت قومك يحبون تربية القطط.
قلت: ويتفنون في تربيتها وأنواع طعامها.
قال: أرأيت لو أن شخصا ترك قطه عند جزار، أو صاحب مطعم، أيخاف على قطه من الموت جوعا؟
قلت: كلا.. فإنه وإن لم يلتفت الجزار أو صاحب المطعم إلى حاجات القط، فإن غذاء القط بسيط، فيكيفيه أن يحمل أي عظم أو أي شيء في الأرض