قال: فكذلك الزهد، فالزاهد يأنف من
مشاركة الذباب، وقد قيل لبعضهم: ما الذي زهدك في الدنيا؟، فقال:( قلة وفائها،
وكثرة جفائها، وخسة شركائها )
قلت: ولكن الدنيا لا يملكها الذباب.
قال: ولكن يملكها اللاهثون وراء
السراب.
قلت: فهناك فرق بينهما.
قال: لا فرق بينهما، ولهذا ساوى
الله تعالى بين الذباب والبشر في الضعف، فقال تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ
ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ
شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}(الحج:73)
قلت: صدقت، فكلاهما ضعيف الطالب
والمطلوب.
قال: وأزيدك مثالا يجعلك ترى عالم
الذباب بين يديك وملء بصرك.
قلت: هات.
قال: ذلك الطعام اللذيذ الذي قدم
لك.
قلت: أتقصد ذلك الذي تهافت عليه
الذباب؟
قال: أجل.. لماذا تهافت عليه؟
قلت: لأنه طعام دسم غني بما يشتهيه
الذباب من المطاعم.
قال: فكذلك هؤلاء الذين امتلأت
نفوسهم رغبة في الدنيا يسلط الله عليهم