قلت: كيف يكون ذلك، ولا أرى أحدهم
يحلم بأن يصير وزيرا أو ملكا؟
قال: بلى، هو يحلم بذلك، بل يحلم
بما هو أرفع من ذلك.
قلت: فهو راغب إذن لا فرق بينه وبين
الحريص.
قال: هو راغب ولكن رغبته ليس في
الأحمال والحطب، وليس في الوزارة أو الملك، وإنما في أمور أخطر وأعظم.
قلت: فيم يرغب، ما دام لم يرغب في
هذه الأمور التي يرغب فيها الناس؟
قال: الزهاد نوعان: منهم من يرغب في
الله ويكتفي به، ومن وجد الله لم يفقد شيئا.. ومنهم من يرغب في متاع لا يتحول،
وزاد لا يتطرق إليه الفساد، نظر إلى الدنيا، فأنفها وطلب دارا أجمل منها وأكمل.
قلت: أتقصد الدار الآخرة، والجنة.
قال: نعم.. فإن الزهاد قارنوا بين
هذه الدار وتلك الدار، وعلموا أن حرصهم على هذه الدار قد يبعدهم عن تلك الدار،
فملأوا همتهم بتلك الدار، وزهدوا في هذه الدار.
قلت: لكأني بالقرآن الكريم يحث على
الزهد.
قال: بل يحث على أصل أصول الزهد،
وهو الاطلاع على حقيقة الدنيا، ومقارنتها بالدار التي لا تبيد، والملك الذي لا
يفنى.
قلت، وكأني أتذكر شيئا كنت أعلمه،
ولكني كنت أجهله: بلى يا معلم لكأني أول مرة أسمع الحق، وهو يقول:{ مَا عِنْدَكُمْ
يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ