قلت: نعم، وقد شبهته حينها
بمن يريد أن يملأ حفرة عميقه، فوضع فيها التراب، فلم يكف، فوضع فيها الحجارة، فلم
تكف، فراح يضع المزابل والقمامات.
قال: فهذا هو الفرق بين
الزاهد والحريص، فالزاهد لا يشعر بفراغ جوفه فلذلك يملؤه بالقوت من الحلال من غير
أن تتشتت عليه نفسه، وأما الحريص، فيلجئه ذلك إلى كل باب، ولو إلى قمامات الناس
ومزابلهم.
قلت: لكأني بالزهد هو عين
الاقتصاد.
قال: لا.. الاقتصاد يتناول
الكم، والزهد يتناول الأنواع.
قلت: كيف؟
قال: المقتصد لا يسرف،
والزاهد لا يرغب.
قلت: كيف لا يرغب، والرغبة
فطرة.
قال: هو يرغب، ولكن رغبة
الزاهد تختلف عن رغبة الحريص.
قلت: كيف ذلك؟
قال: الحريص يرغب في
المتاع، والزاهد يرغب في متاع أعظم منه، ألم تسمع قوله تعالى:{ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ
بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}(يوسف:20)
قلت: نعم، هذه الآية تتحدث
عن إخوة يوسف u الذين باعوه بثمن قليل
لزهدهم فيه.