قلت: فهمت الآن، ولكن ما
علاقة ذلك بزهد الفقراء والأغنياء.
قال: أرأيت لو أن ذلك العدو
الذي أراد إلقاءك في النار لم يفعل، أو لم يوجد، أتقول بأن حال الخوف من النار لا
يوجد فيك؟
قلت: لا، بدليل أني لو
تعرضت في أي لحظة لذلك لأبديت نفس السلوك.
قال: فكذلك الزهد، فهو في
الفقير قوة كامنة، وفي الغني قوة ظاهرة.
قلت: ولذلك إذن نهاهم ذلك
الصالح عن تلقيبه بالزاهد خشية أن يلقبوا به كل فقير.
قال: نعم.. فقد يكون الفقير
أحرص على الدنيا من الغني، ولكنه يستر حرصه بإظهار الزهد.
قلت: فبين لي سر الزهد
وحقيقته، فقد شوقتني إليه.
قال: لقد عرفنا عند الحديث
عن القناعة أن الطامع همه من حياته أن يملأ جوفه.
قلت: نعم بدليل قوله a:( لو كان لابن آدم واد لأحب أن
يكون له ثان ولو كان له واديان لأحب أن يكون إليهما ثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا
التراب، ثم يتوب الله على من تاب )[1]
قال: وذكرنا بأن الفراغ
الذي يعانيه الطامع والحريص يجعله يطلب أشياء كثيرة لا حاجة له إليها حرصا على ملأ
فراغه.