قال: الزهد مقام من مقامات
الدين، وخلق من أخلاق المرسلين، ووصف من أوصاف الأولياء والصالحين، لا يحرم منه
مؤمن لفقره، ولا يبعد عنه لغناه.
قلت: كيف ذلك، فالفقير ليس
لديه ما يزهد فيه، وقد قيل لبعض الصالحين: يا زاهد، فقال:( الزاهد عمر بن عبد
العزيز، إذ جاءته الدنيا راغمة فتركها، وأما أنا ففيماذا زهدت )
قال: ما كان له أن يقول غير
ذلك، وإلا لكان مدعيا.
قلت: إن قومي يفهمون من
قوله هذا قصر الزهد على الكبراء.
قال: أصابوا وأخطأوا.
قلت: هذا تناقض.. أو بين لي
فيم أصابوا، وفيم أخطأوا؟
قال: أصابوا في كون الزهد
لا يظهر ولا يكمل معناه إلا في الأغنياء، وأخطأوا في حصره فيهم، ففرق بين أن يكمل
فيك الشيء، وبين أن يكون فيك أصله.
قلت: اضرب لي على ذلك
مثالا.
قال: أرأيت لو كان في بيتك
مائة صرة من الذهب الخالص، ولم يسمع بها أحد، أكنت بها غنيا لا تحل لك الزكاة.
قلت: أجل، لأني أستطيع
صرفها في أي لحظة.
قال: ولكن الناس بسبب عدم
رؤيتهم لها قد يعتبرونك فقيرا.