قال: لا.. الزهاد من
الأولياء، والأولياء يفهمون عن الله ويأتمرون بأمر الله، وإنما أقصد الرهبانية
التي قال الحق تعالى فيها:{ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا } (الحديد: 27)
قلت: ولكن من زهاد هذه
الأمة من وقع في مثل هذه الرهبانية.
قال: فلا نسميه زاهدا.
قلت: فماذا نسميه؟
قال: راهبا، كما سماه
القرآن الكريم.
قلت: فما الضابط الثاني؟
قال: ترك الإسراف، لأن من
أكل فوق حاجته كان كمن يريد أن يملأ خزان وقود سيارته بربطه بعين ماء مغدقة، أو
ببئر متدفق.
قلت: لعل هذا ما يشير إليه
قوله a:( المؤمن يأكل في معي واحد
والمنافق يأكل في سبعة أمعاء)[1]
قال: أتدري سر ذلك؟
قلت: وما سر ذلك؟قال: لأن
المؤمن ـ حقيقة الإيمان ـ ممتلئ ثقة بفضل الله، فلا يشعر بالفراغ الذي يشعر به
الكافر والجاحد والذي لم يكتب الإيمان في قلبه.
قلت: ألهذا إذن قال تعالى:{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا
يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ}(محمد: 12)، أي هم في دنياهم يتمتعون
بها ويأكلون منها كأكل الأنعام، خضماً وقضماً ليس لهم همة إلا في ذلك.قال: ولهذا
ربط الله تعالى بين الإسراف والكفر كما مر معنا، فالكافر لا يرى في النعمة ما يراه
المؤمن من فضل الله، فينشغل بتناولها كما تنشغل البهائم بالرعي.