وهكذا أخبرنا أن هذه الأمة ستفتن
وتختبر مثلها مثل سائر الأمم، حتى يثبت كل فرد أو مجموعة منها مدى خيريته؛
فالخيرية ليست في المجموع، وإنما في الأفراد الذين تحلوا بشروط الخيرية، وأول تلك
الشروط البحث عن قيم المعروف والالتزام بها والدعوة إليها، والبحث عن قيم المنكر
والنفور والتنفير منها، يقول تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ
وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ
} [آل عمران: 142]
وهكذا أخبر القرآن الكريم عن
الفتن التي ستحصل للأمة، وحذر خصوصا من فتنة السراء، واعتبرها من الاختبارات
اللازمة للأمم، فقال: { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا
أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94)
ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ
مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا
يَشْعُرُونَ} [الأعراف: 94، 95]
وقد أخبر رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم أن هذا النوع من الفتن ستبتلى به
الأمة، كما أخبر أن هناك الكثير ممن سيرسب في هذا الاختبار، ففي الحديث قال a: (والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن
أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها،
وتهلككم كما أهلكتهم)[1]
وقد شهد الجيل الذي صاحب رسول
الله a على أن تلك الفتنة
حصلت، وأنهم رأوها بأم أعينهم، كما شهدوا أن هناك من رسب فيها، ففي الحديث عن عبد
الرحمن بن عوف أنه قال: (ابتلينا مع رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم بالضراء فصبرنا، ثم ابتلينا بالسراء بعده فلم نصبر)[2]
فإذا كان الجيل الذي رباه رسول
الله a على عينه، عاجزا
عن الصبر عن فتنة السراء؛ فكيف بالأجيال التالية، والتي أثرت فيها الانحرافات التي
دخلت الدين تأثيرا كبيرا.