اسم الکتاب : صفحات من أسفار المجد المزيف المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 163
ولهذا فإن الباحث الصادق في
التاريخ، والذي يستعمل المنهج القرآني والنبوي في التعامل مع الأحداث سيرى أن كل
ما حصل في الأندلس ليس سوى مصداق من مصاديق فتنة السراء.
ولعل أعظم دليل على ذلك تسميتهم
لها [الفردوس المفقود]، لأنها بدت لهم بصورة الجنة، خاصة بعد أن عمروها بالقصور
التي ملأوها بالجواري، وأجروا تحتها الأنهار، وصار بعضهم يدفع الجزية للنصارى،
ويستعين بهم على إخوانه من أجل أن تبقى له قصوره، وما فيها من متاع الدنيا.
ولذلك، فإن القارئ الصادق
للتاريخ، ومن المصادر الإسلامية يكتشف بسهولة أن وجود المسلمين في الأندس ابتداء
وانتهاء لم يكن له غاية إلا الدينا، ذلك أن أهل البلاد الأصليين كانوا أشد الناس
نفورا منهم، وكانوا يستعملون كل الوسائل لحربهم، ومع ذلك لم يخرجوا.
وقد قال محمد عبد الله عنان في
كتابه عن تاريخ الأندلس يذكر ذلك، مع العلم أنه ليس من المستشرقين، بل هو مصري،
ويرجع في كل النصوص التي ينقلها للمصادر التاريخية المعتبرة: (في فترة قصيرة لا
تتجاوز نصف القرن، تقلبت الأندلس بين مرحلتين متباينتين كل التباين؛ فهي في منتصف
القرن الرابع الهجري وحتى أواخر هذا القرن، تبلغ ذروة القوة والتماسك، في ظل رجال
عظام مثل عبد الرحمن الناصر والحكم المستنصر، والحاجب المنصور؛ ثم هي منذ أوائل القرن
الخامس، تنحدر فجأة إلى معترك لا مثيل له، من الاضطراب والفتنة والحرب الأهلية
المدمرة، لتخرج من هذه الغمار بعد فترة قصيرة، أشلاء لا تربطها أية رابطة مشتركة)[1]