لتناولها ـ عقب ذلك
بالنهي عن الإسراف، باعتباره الداء القاتل الذي يحول النعم نقما، والعافية بلاء.
قلت: لقد نهى الله تعالى عن
الإسراف في مواضع من القرآن الكريم، فقد أخبر تعالى أنه لا يحب المسرفين المسايرين
لما تقتضيه شهواتهم من غير نظر للعواقب، فقال:﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا
زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ
لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (الأعراف:31)
ولكن الإسراف في القرآن الكريم لم يقتصر ذكره على الأكل والشرب،
فالله تعالى ينعت بالإسراف أقواما مختلفين، لم يكن إسرافهم قاصرا على الأكل
والشرب:
فالله تعالى يعتبر قوم هود u من المسرفين، فيقول على لسان نبيه صالح u:﴿ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ﴾ (الشعراء:151)، ثم يفسر هذا الإسراف بقوله
تعالى:﴿ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي
الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ﴾ (الشعراء:152)
وقال تعالى عن فرعون:﴿ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي
الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ﴾ (يونس:83)
قال: وكذلك الحمية، فإنها بمفهومها الحقيقي الشامل لا تقتصر على
الأكل والشرب.
قلت: فما تعني؟
قال: تعني أن يضع المؤمن لنفسه ميزانا صحيا يتناسب مع متطلبات جسده..
وهذا الميزان الشامل[1] هو ما نص عليه قوله تعالى:﴿ وَوَضَعَ الْمِيزَانَ﴾
(الرحمن:7)، ثم نهى عن
[1] وهذا الميزان الذي نص عليه القرآن الكريم هو الذي توصلت
إليه البشرية بعد تجاربها الطويلة، متصورة أنه من مكتشفات هذا العصر، فهم يتحدثون
عن بعدين اثنين للصحة، هما الميزان الصحي، والرصيد الصحي كما يطلق على السبل
المتخذة للحفاظ على اعتدال الميزان الصحي اسم حفظ الصحة، وعلي السبل المتخذة
لزيادة الرصيد الصحي اسم تعزيز الصحة . وفى إطار هذين البعدين، صاغت منظمة الصحة
العالمية قبل خمسين سنه فحسب، تعريفها للصحة على أنها المعافاة الكاملة، جسمياً
ونفسياً واجتماعياً، لا مجرد انتفاء المرض أو العجز» نقلا عن الدكتور محمد هيثم
الخياط، فقه الصحة، محاضرة ألقاها في المؤتمر الرابع للطب الإسلامي الذي عقد في
كرا تشي سنة 1405 للهجرة [1984 للميلاد)، ونشرت في المجلد الذي أصدرته المنظمة
الإسلامية عن المؤتمر.وقد استفدنا منها كثيرا في هذا الباب.