دخلنا الحصن الثاني
من حصون الجسد.. فرأيت الجو نقيا صافيا، والهواء نسيما عليلا، تنتعش له الروح،
وينشط له الجسم، ورأيت لافتة مكتوبا عليها قوله تعالى:﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً
وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ
الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ
عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ﴾ (النحل:81)
قلت للمعلم: أهذا هو حصن الوقاية؟
قال: أجل.
قلت: فمم يحمي هذا الحصن؟
قال: يحمي الإنسان من أعدائه الخارجيين المتسببين في وقوعه في
الأمراض والآفات.
قلت: أي أعداء؟
قال: كل ما يتسبب في وقوعه في الأمراض عدوله يحب عليه ـ شرعا ـ أن
يجاهده.
قلت: الوجوب الشرعي يفتقر إلى فتوى الفقهاء.
قال: حفظ الصحة، وجلب العافية واجب، لا يتسنى للإنسان أداء وظائفه
التي كلف بها إلا بذلك.. فكان ما يؤدي إلى هذا الحفظ واجبا.
قلت: هذا دليل عقلي.
قال: إن شئت النقل، فاسمع قوله تعالى:﴿ وَلا تَقْتُلُوا
أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ (النساء:29)، فقد حرم
الله تعالى في هذه الآية كل ما يتسبب في قتل النفس أو إصابتها بالآفات.
قلت: ما علاقة الآية المعلقة على الباب بهذا المعنى؟
قال: هي من المنارات التي نهتدي بها في هذا الباب، فمن نعم الله على
عباده أن خلق لهم ما يحتمون به من وهج الشمس، ومن قر البرد، ومن أسنة الرماح.. وما
هذه النعم إلا لحفظ هذا الجسد من طوارق البلاء، فتنعمه بالعافية هو الوسط الصحيح
لأدائه التكاليف، ونهوضه