قال: قد ترى قلب
المطيع الصالح، وهو وإن كان صافيا ـ إلا أنه لا يتضح فيه جلية الحق، لأنه لا يطلب
الحق، ولا يوجه مرآته شطره.
قلت: كيف ذلك.. وهو
صالح قانت؟
قال: قد يكون متسوعب
الهم بتفصيل الطاعات البدنية، أو بتهيئة أسباب المعيشة، ولا يصرف فكره إلى التأمل
في حضرة الربوبية والحقائق الخفية الإلهية، فلا ينكشف له إلا ما هو متفكر فيه من
دقائق آفات الأعمال وخفايا عيوب النفس إن كان متفكرا فيها، أو مصالح المعيشة إن
كان متفكرا فيها.
فإذا كان تقييد الهم
بالأعمال وتفصيل الطاعات مانعا عن انكشاف جلية الحق، فما ظنك فيمن صرف الهم إلى
الشهوات الدنيوية ولذاتها وعلائقها، فكيف لا يمنع عن الكشف الحقيقي؟
قلت: فهمت هذا..
فأرني المرآة الرابعة.
أمسك الغزالي بمرآة
لا تقل عما قبلها جمالا وصفاء، وقربها من وجهي، ولكني ما كدت أبصر وجهي فيها حتى
وضع يده بيني وبينها، فقلت: ارفع يدك، يا غزالي، فكيف لي أن أرى، ويدك بيني
وبينها.
قال: هذا هو الحجاب
الرابع.
قلت: ما تقصد؟
قال: قد تكون مرآة
القلب صافية، لكنها صاحبها يضع بينه وبين الحقائق حجبا كثيفة تحول بينه وبين
إدراكها.