قال: أشارت هذه
الآية الكريمة إلى أن له للقلب الإنساني ـ والذي هو الإنسان بحقيقته الكاملة ـ
خاصية تميز بها عن السموات والأرض والجبال.. وبها صار مطيقا لحمل أمانة الله
تعالى، وتلك الأمانة هي المعرفة والتوحيد، وقلب كل آدمي مستعد لحمل الأمانة، ومطيق
لها في الأصل، ولكن يثبطه عن النهوض بأعبائها والوصول إلى تحقيقها أسباب أخرى غير
هذا السبب.
قلت: ألا يشير إلى
هذا قوله a:(كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه،
فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)[1]
قال: وقبل ذلك يشير
إليه قوله تعالى:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً
فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ
اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾(الروم:30)،
فقد أخبر الله تعالى بأن الفطرة الأصلية فطر عليها الناس جميعا، وأنه لا تبديل
لخلق الله.
قلت: فهمت هذا..
فأرني المرآة الثالثة.
أمسك الغزالي بمرآة
لم أر مثلها جمالا وصفاء، فقلت، قبل أن يريني وجهي: أما هذه، فنعم فهي من معدن
خالص الصفاء كانت مخبأة كالدر المكنون.
لكن الغزالي عدل بها
عن وجهي، وقال: قل لي: ماذا ترى؟
قلت: وما أرى؟ اسأل
الحائط الذي وجهتها إليه.
قال: فهذا هو
الحجاب الثالث.
قلت: لم أفهم وجه
كون هذا حجابا.
قال: إذا عدل
بالمرآة عن وجهة الحقائق لم ترها، فالمرآة لا ترى إلا ما تقابله، وما تتوجه