قال: فهذه الآية
والحديث الذي يفسرها يمثل الحجاب الأول.
قلت: فأرني المرآة
الثانية.
فأراني مرآة إنما هي
جوهر حديد، لم يدور، ولم يشكل، ولم يصقل، وقال لي: انظر إلى هذه المرآة، وقل لي:
ماذا ترى؟
قلت: هذا حديد يمكن
أن يصبح مرآة لو وجد من يصقله.. أما الآن، فهوكصبي لم يجاوز المهد.
قال: فهذا هو
الحجاب الثاني.
قلت: أي حجاب؟
قال: هذا نقصان في
ذات المرآة، وهي كقلب الصبي، فإنه لا تتجلى له المعلومات لنقصانه.
قلت: فهمت هذا.. ولا
لوم على الصبي في هذا.. ولكن ليته يجد حدادا ماهرا يصقل مرآة قلبه.
قال: لا تخف على هذا..
فلن يحتاج صقل ذلك إلى حداد، ألم تسمع قوله تعالى:﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ
لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾(النحل:78)
فالله تعالى هو
الذي تولى صقل مرآة القلب لتتجلى فيها الحقائق.
قلت: ألا يمكن أن
نفهم من هذا المثال أن القلوب أنواع منها ما اكتمل، فصار مستعدا لتجلي الحقائق،
ومنها ما بقي قاصرا دون ذلك، فهوكالحديد الذي لم يصقل؟
قال: لا.. لقد أخبر
الله تعالى أنه زود البشر جميعا بطاقة التلقي للحقائق، ألم تسمع قوله تعالى:﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا
وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ (الأحزاب:72)