قال: يمثل كدورة
المعاصي والخبث الذي يتراكم على وجه القلب من كثرة الشهوات، فإن ذلك يمنع صفاء
القلب، وجلاءه فيمتنع ظهور الحق فيه لظلمته وتراكمه، ألم تسمع قوله تعالى:﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ
يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ
أَثِيمٍ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ كَلَّا
بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن
رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ
ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾(المطففين:10 ـ 17)
قلت: بلى.. فالآية
تتحدث عن علة تلك العقوبة العظيمة، وهي أن هؤلاء الذين يتعرضون لصنوف الهداية من
المرسلين أو من ورثتهم ينحجبون بالغفلة التي أفرزتها الأهواء في قلوبهم عن رؤية
الحق أو الاستماع له، فلذلك ينسبون تلك الآيات التي يتلوها المؤمنون إلى أساطير
الأولين.
وهم في ذلك يشبهون
ذلك الممتحن الذي يلطخ صفحته البيضاء الطاهرة بصنوف العبث والعشوائية.
قال: ثم بينت الآيات
السبب لذلك، وهو لا يختلف عن السبب الذي جعل الممتحن يلطخ ورقة إجابته، وهو ما نص
عليه قوله تعالى:﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا
يَكْسِبُونَ ﴾ أي أن كسبه وعمله وحركة قلمه هي التي ملأت فطرته بقعا منحرفة
حالت بينها وبين التعرف على الحق أو سلوكه.
قلت: وقد فسر a الآية بقوله:(إن العبد إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في
قلبه، فإن تاب منها صقل قلبه، وإن زاد زادت، فذلك قول اللّهتعالى:﴿
كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾)[1]