اقتربنا منه، فبادرته
قائلا: أي أنواع الجواهر تزن؟.. فإني أراك تدقق تدقيقا عجيبا.
قال: أنا أزن جواهر
الذوق.
قلت: وهل الذوق
جواهر؟.. لا أعرف الجواهر إلا ما تضعه النساء في الحلي، والملوك على التيجان.
قال: فأنت لا تعرف
أصناف الجواهر إذن.
قلت: بل أنت الذي
تسلك سبيل المجاز، فتسمي الأشياء بغير أسمائها.
قال: أرأيت لو أن
ملكا من الملوك فقد أذواقه الخمسة، فلم يعد يستحلي طعاما، ولا يستمرئ شرابا، ثم
قيل له: لن نبيعك هذه الأذواق إلا بخمسة من أغلى الجواهر التي تزين تاجك، أفيعطيهم
جواهره؟
قلت: لا شك في ذلك..
فلا خير في ملك لا يستحلي طعاما، ولا يلذ له شراب.
قال: فالأذواق إذن
أفضل من جميع الجواهر.
قلت: فأنت لهذا
تزنها، وتبالغ في التدقيق في وزنها.
قال: أجل.. لأحفظها،
فإنه إذا طغى بعضها على بعض انحرفت، فإذا انحرفت فسد مزاجي، وقد رأيت من عواقب
فساد الذوق ما رأيت.
قلت: هذا صحيح..
ولكن كيف تزن الأذواق؟.. وكيف تزعم أنها خمسة؟.. فأنا أشعر بمذاقات كثيرة.
قال: هذا علم من
علومنا.. إن شئت أن تحمله عنا، فسلم لنا.
قلت: أنا مسلم لكل
من يعلمني.. فتحدث، ولن أجادلك.
قال: أتدري لم يسرف
الناس في الأكل، فيأكلون مع كونهم مصابين بالتخمة؟