فتوجه الكندي إلى
داره، فلما رأى الولد، وجس نبضه أمر بإحضار بعض تلاميذه في الموسيقى ممن يحسن ضرب
العود ويعزف الطرائق المحزنة والمفرحة والمقوية للقلوب والنفوس.. فأمرهم أن يديموا
الضرب عند رأسه، وأن يأخذوا في طريقة وقفهم عليها، وأراهم مواقع النغم بها من
أصابعهم على الدساتين ونقلها، فلم يزالوا يضربون في تلك الطريقة، والكندي آخذ مجس
الغلام، وهوفي خلال ذلك يمتد نفسيه ويقوى نبضه، ويرجع إليه نفسه شيئاً بعد شيء،
إلى أن تحرك ثم جلس وتكلم.
قلت: فهل يستعمل أهل
هذا المستشفى الموسيقى وسيلة من وسائل العلاج؟
قال: لا.. لقد
ابتكروا وسائل صوتية أكثر جمالا..
قلت: أكثر جمالا !؟
قال: أجل.. لأنها من
الطبيعة الصرفة، ولا تدخل فيها الآلات التي تستعملونها، ولا أثر فيها للتكلف الذي
تمقته الفطرة.
قلت: صدقت، فكثير من
هذه الآلات تصيب الأذن بالطنين، والنفوس بالانزعاج، فلا تزيد العليل إلا داء، ولا
تزيد الصحيح إلا ضجرا.
قال: ولهذا نعتمد في
هذا القسم على القرآن الكريم، فنجعل من معانيه السامية شرابا، ومن الأصوات الجميلة
التي يؤدى بها مسوغات.
قلت: فتمزجون بذلك
بين العلاج بالكلام، والعلاج بالصوت.
قال: أجل.. ألم يأمر
النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم بتزيين القرآن الكريم بالأصوات؟
قلت: بلى، فقد قال a:(زينوا القرآن بأصواتكم)[1]، وفى لفظ: (فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً)،
وقال: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن)[2]، وقال: (ما أذن الله لشيء، ما أذن