قال آخر: وكان بكاؤه
تارة رحمة للميت، وتارة خوفا على أمته وشفقة عليها، وتارة من خشية الله، وتارة عند
سماع القرآن..
قال آخر: وهو سنة
الصالحين من هذه الأمة، وقد رؤي عليّ في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل ستوره، وغارت
نجومه، وقد تمثّل في محرابه قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم ـ اللديغ ـ
ويبكي بكاء الحزين، وهو يقول:(يا ربّنا، يا ربّنا..) يتضرّع اليه.. ثم يقول:(يا
دنيا، يا دنيا، اليّ تعرضت، أم بي تشوقت، هيهات هيهات غرّي غيري، وقد بتتك ثلاثا
لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير وعيشك حقير، وخطرك كبير، آه من قلّة الزاد وبعد السفر
ووحشة الطريق)
قال آخر: وقد وصف
أصحاب رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم أحسن وصف، فقال: (والله لقد رأيت أصحاب رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم فما أرى اليوم شيئا يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا، بين
أعينهم أمثال ركب المعزى، فقد باتوا لله سجّدا وقياما، يتلون كتاب الله، يراوحون
بين جباههم وأقدامهم، فاذا أصبحوا ذكروا الله عز وجل، مادوا كما يميد الشجر في يوم
الريح، وهملت أعينهم حتى تبلّ ثيابهم)، ثم يقول:(والله لكأن القوم باتوا غافلين)
صحت: ولكن.. لا يكفي
هذا لتذكروا فضل الضحك على البكاء.. ألسنا في مستشفى.. وبين مرضى.. وأنتم تبحثون
عن علاجهم؟
قال الخبير: أجل..
وهذا من علاجهم.
قلت: أي علاج هذا..
يا رجل.. الضحك يحرك كم عضلة.. ويمسح كم هما.. ويداوي كم مرضا.. فماذا يفعل البكاء
غير نشر الحزن والألم؟
قال: لا.. نحن
نستعمل البكاء علاجا في هذا المستشفى، وقد أثبت جدواه.. فكثير من المرضى جاءوا
بقلوب محطمة، وأجسام عليلة، فما إن حفرنا في خدودهم أخاديد الدموع