قال: الزهد مقام من مقامات الدين العالية، وقد حقيقته وميادينه في كنوز
الفقراء.. ولكن الكفاية في الغذاء لا تتعارض معه.
قلت: ولكن من الزهاد من اشتد، فحرم الخبز على نفسه.
قال: هيا نقترب من ذلك الرجل، ومن يجلس إليه، فهم يتحدثون عن هذا.
الكفاية والزهد:
رأيت رجلا تظهر عليها مظاهر النعمة ممزوجة بوقار العلماء، وبين يديه
شباب لا يدل مظهرهم على أنهم من هذا العصر، سألت المعلم عنه، وعنهم، فقال: هذا ابن
الجوزي..
قلت: أبو الفرج عبد الرحمن.. العالم الخطيب.. !؟
قال: أجل هو هو.. بعلمه وحكمته.
قلت: نحن نقول في تعابيرنا:(هو هو بشحمه ولحمه..)
قال: لا.. الإنسان علم وحكمة، لا شحم ولحم.
قلت: فما الذي جاء به إلى هنا من عهده البعيد؟
قال: جاء ليرد على بعض الشبه التي بثها بعض الزهاد، والتي تزهد في
الضروريات التي يتضرر الإنسان بتركها.
قلت: فما علاقتها بالكفاية؟
قال: لأن من الزهاد من تصور كمال الزهد في التعفف عن المطاعم التي
خلقها الله تعالى، والتي تتناسب مع احتياجات أجسامنا.
اقتربنا منه، فسمعته يقول[1]: تأملت أحوال الزهاد فرأيت
أكثرها منحرفاً عن الشريعة بين جهل بالشرع، وابتداع بالرأي.