سأله سائل: نراك قد اشتددت عليهم، فما أساس هذا الانحراف الذي وقعوا
فيه؟
قال: هم يستدلون بآيات لا يفهمون معناها وبأحاديث لها أسباب وجمهورها
لا يثبت.. ومن ذلك أنهم سمعوا في القرآن الكريم قوله تعالى:﴿ وَمَا الْحَيَاةُ
الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْو وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ
يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ (الأنعام:32)، وقوله تعالى:﴿ وَمَا هَذِهِ
الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْو وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ
الْحَيَوَانُ لَوكَانُوا يَعْلَمُونَ﴾(العنكبوت:64) وغيرها من الآيات.
وسمعوا قوله a:(للدنيا
أهون على الله من شاة ميتة على أهلها) وغيره من الأحاديث.. فراحوا يبالغون في
هجرها من غير بحث عن حقيقتها.
سأل سائل: فما حقيقتها؟
قال: إذا بحثنا عن الدنيا رأينا هذه الأرض البسيطة التي جعلت قراراً
للخلق تخرج منها أقواتهم ويدفن فيها أمواتهم.. ومثل هذا لا يذم لموضع المصلحة
فيه.
ورأينا ما عليها من ماء وزرع وحيوان كله لمصالح الآدمي، وفيه حفظ
لسبب بقائه.. وما كان سبباً لبقاء العارف العابد يمدح ولا يذم.
فبان لنا أن الذم إنما هو لأفعال الجاهل أو العاصي في الدنيا..
فإنه إذا اقتنى المال المباح وأدى زكاته لم يلم.
وأما المطعم فالمراد منه تقوية هذا البدن لخدمة الله عز وجل وحق على
ذي الناقة أن يكرمها لتحمله.
وقد كان النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم
يأكل ما وجد، فإن وجد اللحم أكله، ويأكل لحم الدجاج، وأحب الأشياء إليه الحلوى
والعسل وما نقل عنه أنه امتنع من مباح.
وجيء علي بفالوذج فأكل منه، وقال: ما هذا؟ قالوا: يوم النوروز
فقال: نوروزنا كل يوم.
وإنما يكره الأكل فوق الشبع واللبس على وجه الاختيال والبطر.