لم يلتفتوا إلي، بل
ظلوا منشغلين بمعاينة وتفتيش كل داخل، لا يفرقون في ذلك بين وجيه ووضيع.
قلت للمعلم: لم كان
هذ القسم تاليا للقسم السابق؟
قال: أجبني: عندما
عاينت القسم السابق، بماذا حدثتك نفسك؟
قلت: سأصدقك.. لم
أمر بقسم من الأقسام إلا تمنيت المكث فيه.. بل تمنيت أن أدفن في ثراه.. فمع أن
العلة لا تزال تنخر في جسمي إلا أن الراحة التي كنت أشم عطرها في تلك الأقسام
جعلتني أنسى كل علة، وأشعر بكل قوة، وأستغني عن كل دواء.
قال: فهذا القسم
يدعوك إلى الفرار..
قلت: إلى الفرار من
تلك الأحوال الربانية التي عشتها.. بل لم أعش مثلها.
قال: لا.. الفرار من
بلاء الله إلى عافية الله.
قلت: ولكن ما أجمل
البلاء الذي يجر إلى مثل تلك العافية والسعادة التي عشتها.
قال: نعم.. إن رحمة
الله تدرك المبتلى، وهي تدرك كذلك المعافى، ألم تسع رحمته كل شيء؟
قلت: بلى..
قال: فهي تشمل
الجميع إذن.
قلت: فما دامت تشمل
الجميع، لماذا نفر من البلاء؟
قال: لأن الأصل هو
العافية.. والبلاء عارض.
قلت: كيف هذا.. وأنا
أرى في واقعي البلاء أصلا والعافية عارضا.
قال: ذلك لأنكم
تنشغلون برؤية البلاء عن رؤية العافية.. فينسخ أحدكم القناطير المقنطرة من العافية
بالدرهم الواحد من البلاء.