ولما سمع a بمقولة بعض أصحابه:(والله لأصومن
النهار ولأقومن الليل ما عشت)، قال رَسُول الله a:(أنت الذي تقول ذلك؟)، قال عبد
الله: فقلت له:(قد قلته بأبي أنت وأمي يا رَسُول الله)، قال:(فإنك لا تستطيع ذلك؛
فصم وأفطر ونم وقم، وصم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل
صيام الدهر)، قلت:(فإني أطيق أفضل من ذلك)قال:(فصم يوماً وأفطر يومين)، قلت:(فإني
أطيق أفضل من ذلك)، قال:(فصم يوماً وأفطر يوماً فذلك صيام داود عليه السلام، وهو
أعدل الصيام) فقلت:(فإني أطيق أفضل من ذلك)، فقال رَسُول الله a:(لا أفضل من ذلك)
وكان ذلك الصحابي يقول بعد ذلك:(ولأن
أكون قبلت الثلاثة الأيام التي قال رَسُول الله a أحب إلي من أهلي ومالي)([105])
ولهذا كان a ينهى عن السلوكيات التعبدية التي
لا معنى لها، والتي هي مظهر من مظاهر تعذيب الجسد الذي أمرنا بحفظه، فعن ابن عباس
قال: بينما النبي a
يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا
يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، فقال النبي a:(مروه فليتكلم وليستظل وليقعد
وليتم صومه)([106])
فلم يترك له a إلا الصوم لأنه هو
العبادة الوحيدة من تصرفاته التي لها معنى، أما مكوثه في الشمس وقيامه، فلا معنى
له.
بل إنه a نهى عن القيام مع فضله
العظيم إذا تعارض ذلك القيام مع حاجة الإنسان