اسم الکتاب : مواهب النفس المرضية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 141
ولهذا فرقت الشريعة بين الغنى
الموزون بالموازين الأخلاقية، والغنى اللامنضبط بها، أما الأول؛ فهومشروع، والله
تعالى لم يحرم الكسب والعمل، وأما الغنى المبني على الظلم والقسوة؛ فلا شك في
حرمته.
وهكذا في كل الأمور تجد الشريعة
تدعو إلى التوازن الذي لا تستقيم الحياة الصحية إلا به.
ولذلك كان التوازن خاصية من خصائص
الإسلام في عقيدته وشريعته ومواقفه وكل جوانبه، ولذلك كان كل من اشتط أو وقع في
الغلو منحرفا عن الدين بحسب غلوه وتطرفه.
ولهذا لما تصور بعضهم أن حقيقة
العبادة وكمالها في التفرغ لها حسب بعض صورها أنكر رسول الله a ذلك إنكارا شديدا،
مبينا لهم طريق الاعتدال، فقد روي أن ثلاثة سألوا عن عبادته a، فلما عرفوها تقالوها([100])، ثم برروا ذلك بقولهم:(أين
نحن من رسول الله، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟)، ثم قال أحدهم:(أما
أنا فأصوم الدهر، ولا أفطر)، وقال الثاني:(وأنا أقوم الليل فلا أرقد)، وقال الثالث:(وأنا
أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا)، فلما سمع النبي a مقالتهم جمعهم وخطب فيهم قائلا:(إنما
أنا أخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن
رغب عن سنتي فليس مني)([101])
وسر ذلك أن هؤلاء غابت عنهم كثير من
الفرائض التي تجعل حياتهم متوازنة