اسم الکتاب : مواهب النفس المرضية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 112
وفسر ذلك بعض الحكماء، فقال: (الحق سبحانه إذا أراد أن يوصل عبده إليه توجه إليه
أولا بنور حلاوة العمل الظاهر، وهو مقام الإسلام فيهتدي إلى العمل ويفنى فيه ويذوق
حلاوته، ثم يتوجه إليه بنور حلاوة العمل الباطن وهو مقام الإيمان من الإخلاص
والصدق والطمأنينة والأنس باللّه والتوحش مما سواه، فيهتدي إليه ويفنى فيه ويذوق
حلاوته ويتمكن من المراقبة، وهذا النور أعظم من الأول وأكمل، ثم يتوجه إليه بنور
حلاوة المشاهدة، وهو عمل الروح وهو أول نور المواجهة، فتأخذه الدهشة والحيرة
والسكرة، فإذا أفاق من سكرته وصحا من جذبته وتمكن من الشهود وعرف الملك المعبود
ورجع إلى البقاء، كان للّه وباللّه فاستغنى عن النور بمشاهدة نور النور، لأنه صار
عين النور، فصار مالكا للأنوار بعد أن كانت مالكة له لافتقاره لها قبل وصوله إلى
أصلها، فلما وصل صار عبدا للّه، حرّا مما سواه، ظاهره عبودية وباطنه حرية، والحاصل
أن المريد ما دام في السير فهو يهتدي بأنوار التوجه مفتقرا إليها لسيره بها، فإذا
وصل إلى مقام المشاهدة حصلت له أنوار المواجهة فلم يفتقر إلى شي ء لأنه للّه لا
لشي ء دونه. فالراحلون وهم السائرون للأنوار لافتقارهم إليها وفرحهم بها، وهؤلاء
الواصلون الأنوار لهم لاستغنائهم عنها باللّه، فهم للّه وباللّه لا لشي ء دونه) ([90])
وذلك يشبه ـ أيها المريد الصادق ـ من يسير في الظلمات صحبة سراج مضيء،
لكنه كلما اقترب من الهدف، كلما ازدادت الأنوار تألقا وإشعاعا إلى أن يرى نفسه غير
محتاج للسراج الذي كان يسير به، لأنه صار مغمورا بالأنوار.
أو بتعبير آخر ـ ربما يكون أدق ـ يصبح نتيجة صقله لنفسه وتهذيبه لها مرآة
عاكسة للأنوار؛ فلذلك يستغني بتلك الأنوار المنعكسة عليها عن غيرها.