اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 94
والمصالح فيها سوى
الموقنين، قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ
أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ (المائدة:50)، والآية
تشير إلى أن إدراك الحسن المتغلغل في ثنايا الأحكام لا يقلب صفحاته سوى الموقنين.
ومن الطرق المؤدية لهذه
المعرفة اليقينية التقوى، والتي أشار إليها قوله تعالى: ﴿واتَّقوا اللهَ
ويُعَلِّمُكُمُ اللهُ﴾ [البقرة: 282]، وقال: ﴿إنْ تتَّقوا اللهَ يَجعَلْ
لكُمْ فُرقاناً﴾ [الأنفال: 29]. وقال: ﴿ويجعلْ لَكُمْ نُوراً تمشونَ
به﴾ [الحديد: 28]
وقد عبر بعض الحكماء عن
ذلك، فقال: (على قدر قربهم من التقوى أدركوا من اليقين، وأصل التقوى مباينة النهي
وهو مباينة النفس فعلى قدر مفارقتهم النفس وصلوا إلى اليقين)
وسر ذلك يعود إلى ما سبق
أن ذكرته لك من أن القلب في حقيقته يشبه المرآة التي تتجلى عليها الحقائق، والذنوب
والمعاصي تشبه الحجاب والغشاوة التي تغطي المرآة، فتمنع الأشياء من التجلي فيها..
ولذلك كانت التقوى التي تعني الورع عن الذنوب هي الطريق الأقرب لتصفية مرآة القلب،
حتى تشاهد الحقائق رأي العين.
ولهذا كله كان اليقين أرفع
الدرجات، باعتبار كل تلك السبل من الذكر والفكر والتقوى وغيرها وسائل تؤدي إليه.
وقد أشار إلى هذا المعنى
الإمام الباقر عندما سئل عن الإيمان والإسلام فقال: (إنما هو الإسلام، والإيمان
فوقه بدرجة، والتقوى فوق الإيمان بدرجة، واليقين فوق التقوى بدرجة، ولم يقسم بين
الناس شيء أقل من اليقين، فسئل: (فأي شيء اليقين؟)، قال: (التوكل على الله،
والتسليم لله، والرضا بقضاء الله، والتفويض إلى الله)([182])