اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 92
وجود حضور إلى ذكر مع
غيبة عن ما سوى المذكور، وما ذلك على الله بعزيز) ([180])
وقد ورد في الحديث ما يشير
إلى دور الذكر في تحصيل هذا النوع من المعرفة؛ فقد روي أن بعض أصحاب رسول الله a
شكا له حاله، فقال: (يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي
العين؛ فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، ونسينا كثيرا)، فقال
رسول الله a: (والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون
عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، لكن ساعة وساعة) ([181])
ومثل ذلك الفكر والتأمل،
والذي أشار إليه قوله تعالى عن الغرض من إشهاد إبراهيم عليه السلام لملكوت السموات
والأرض: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ (الأنعام:75)
فالمعرفة اليقينية التي
تحققت لإبراهيم عليه السلام كان سببها ـ كما تذكر الآية الكريمة ـ ما رآه من ملكوت
السموات والأرض، والقرآن الكريم يعبر عن رؤيته بـ ﴿نُرِي﴾، وفي ذلك
إشارة إلى أن رؤية إبراهيم عليه السلام كانت رؤية بالله، لا بنفسه، أي أنه صار
باقيا بالله بعد أن فنى عن نفسه.
وقد ذكر الله تعالى بعض ما
أريه إبراهيم عليه السلام وما قرأه، فقال: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ
اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ
الْآفِلِينَ﴾ (الأنعام:76)، ثم رأى القمر بازعا، ﴿قالَ هَذَا رَبِّي
فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ
الضَّالِّينَ﴾ (الأنعام: 77))، ثم رأى الشمس بازغة ﴿قَالَ هَذَا
رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا