اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 91
خلق الله بالكريمة
الشريفة ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: 114]) ([179])
ومثل ذلك يقال في
الحواريين أصحاب المسيح عليه السلام، والذين طلبوا المائدة من نبيهم، لا شكا في
نبوته، ولا طلبا للتحقق منها، وإنما كان طلبهم للخروج من علم اليقين إلى عين
اليقين، قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ
قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ
نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا
وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [المائدة: 112، 113]
وقد أخبر الله تعالى أن
طلبهم ذلك، لم يكن إلا بقصد تحصيل الطمأنينة، وهي المرتبة الأعلى في المعرفة،
والتي لا تكتفي بالرؤية، وإنما بالمعايشة، والتي عبرت عنها الآيات الكريمة
بالأكل.. ذلك أن أكلهم من تلك المائدة، يجعلون لا يرون النعيم فقط، وإنما يعيشونه
أيضا.
لا تحسب ـ أيها المريد
الصادق ـ أني من خلال إيرادي لك لهذه الأمثلة أن المعرفة اليقينية لا تتحقق إلا
للأنبياء أو أتباعهم ممن عاصرهم.. فليس الأمر كذلك، ورحمة الله تأبى ذلك.
ولذلك جعل الكثير من السبل
المؤدية للمعرفة اليقينية، وأولها الذكر الكثير.. ذلك أنه بكثرة ترديد ألفاظ الذكر
مع حضور القلب، بقدر ترسخها في النفس إلى أن تتحول إلى مشاهد مرئية.. بل حتى يغيب
الذاكر عن نفسه؛ فيعيش معاني الذكر بكل كيانه، كما عبر بعض الحكماء عن ذلك، فقال:
(لا تترك الذكر لعدم حضور قلبك مع الله فيه، لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك
في وجود ذكره، فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة، ومن ذكر
مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور، ومن ذكر مع