اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 90
كما قال تعالى حاكيا عنه:
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ
أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة:
260]
وهذا يدل على أن الطمأنية الإيمانية
لا تتحقق بمجرد علم اليقين، وإنما تتحقق بعين اليقين.. فبقدر المشاهدة والكشف بقدر
ما تتحقق الطمأنينة.
ولصعوبة المسالك المؤدية
إليها أمر إبراهيم عليه السلام بأوامر شديدة حتى تتحقق له تلك الرؤية، قال تعالى: ﴿قَالَ
فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ
جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ
اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: 260]
فمع أنه كان في الإمكان أن
يحصل ذلك في محل واحد.. لكن الله تعالى أراد أن يعلم عباده أن تحصيل هذه المرتبة
من اليقين يحتاج مجاهدات كثيرة، كما نص على ذلك قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ
جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ
الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69]
ومثل ذلك ما حصل لموسى
عليه السلام عندما طلب زيادة في العلم؛ فقد أُمر بأن يسير مسافات طويلة، وهناك رأى
من الحقائق المرتبطة بالقدر ما لم يكن يعلمه بهذا النوع من العلم.
وقد عبر عن هذا المعنى،
وعلاقته بالمعرفة بعض الحكماء، فقال: (فموسى الكليم مع ما له من المقام العظيم في
النبوّة ما اقتنع بذلك المقام وما توقف في مقام علمه الشامخ، وبمجرد أن لاقى شخصاً
كاملاً قال له بكل تواضع وخضوع: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ
مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ [الكهف: 66]، وصار ملازماً لخدمته حتى أخذ منه
العلوم التي لا بد من أخذها، وإبراهيم لم يقتنع بمقام شامخ الإيمان والعلم الخاص
للأنبياء، بل قال: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾
[البقرة: 260]، فأراد أن يرتقي من الإيمان القلبي إلى مقام الاطمئنان الشهودي،
وأعظم من ذلك أن الله تبارك وتعالى يأمر نبيّه الخاتم وهو أعرف
اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 90