اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 89
في النفس درجات مختلفة،
منها ما يكون مجرد طلاء خفيف في العقل، لا أثر له في الحياة، ولا في السلوك..
ومنها ما يتعمق في العقل، وبقدر تعمقه يكون تأثيره.. ومنها ما يجعل صاحبه منشغلا
به عن كل شيء، لتذوقه للمعلوم، وتحققه به، ولا شك في كون هذا هو الأكثر تأثيرا من
كل الدرجات السابقة.
ولهذا قال تعالى عن بعض
الأعراب: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ
قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾
(الحجرات: 14)، أي أن إيمانكم لم يصل بعد إلى الدرجة التي يستحق بها هذا الاسم..
وإنما هو مجرد استسلام للحقائق دون تسليم وإذعان مطلق لها.
ولهذا أيضا نفى الله تعالى
تلك الدعاوى التي تدعي الإيمان من دون تحقق بمقتضياته، وأولها تغلغل الإيمان
ومعارفه في النفس، كما قال تعالى عن المنافقين: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾
(البقرة:8)، وقال عن غيرهم من المنافقين وأهل الكتاب: ﴿يَا أَيُّهَا
الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ
قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾ (المائدة:
41)
ولهذا؛ فإن المراد من طلب
زيادة العلم الذي نص عليه قوله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾
[طه: 114]، لا يقصد به زيادة عدد المعلومات فقط، وإنما زيادة اليقين بها، حتى
تصبح، وكأنها رأي العين، أو حتى تندمج مع النفس اندماجا كليا.
ولهذا يخبر الله تعالى عن
إبراهيم عليه السلام، أنه مع علمه بإحياء الله تعالى للموتى، كما نص على ذلك قوله
تعالى على لسانه في حجاجه مع الملك: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾
[البقرة: 258]
إلا أنه ـ ومع ذلك اليقين
ـ طلب المزيد، بتحويل علمه من علم اليقين إلى عين اليقين،
اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 89