اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 392
العدل
و الاعتدال
كتبت إلي ـ أيها المريد
الصادق ـ تسألني عن العدل والاعتدال، وعلاقتهما بالنفس المطمئنة، وبسائر منازلها،
وكيفية التحقق بهما.
وجوابا على سؤالك الوجيه
أذكر لك أن العدل والاعتدال من المنازل الكبرى للنفس المطمئنة، والتي تمتد فروعها
الطيبة إلى كل المنازل، بل لا تستقيم المنازل من دونها، ذلك أن لكل فضيلة حدودا لا
يمكن حفظها إلا بمراعاة الاعتدال والعدالة.
ومن الأمثلة على ذلك
المنازل المرتبطة بالرأفة والرحمة واللطف والحنان وغيرها.. فإن هذه المنازل مع
جمالها وكمالها لو لم تضبط بضوابط العدالة والاعتدال، لانصرفت لمن لا يستحقون
أمثال تلك المعاملات.
ولهذا أمر الله تعالى
باستعمال الشدة في المواضع المرتبطة بها، حفظا للعدالة، كما قال تعالى: ﴿يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ
وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [التوبة: 73]
ذلك أن من لم يضبط رحمته بضابط
العدل، انصرفت لهؤلاء الذين نهى القرآن الكريم أن يُرحموا، لأن في رحمتهم قسوة على
المستضعفين المظلومين.
ومثل ذلك أمره بالقسوة على
الذين ينحرفون بأخلاق المجتمع، ويهدمون بنيان الفضيلة فيه، كما قال تعالى: ﴿
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ
وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: 2]
ولذلك كان العدل هو القيمة
التي تحفظ سائر القيم من الانحراف؛ فتتحول إلى
اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 392