اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 377
العفيف بالفاقة والفقر
والحاجة عن أن يمد يده إلى الناس يستجديهم، ويذل نفسه بذلك.
وهو ما وصف الله تعالى به
الفقراء الصالحين، حين قال: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ
الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا
يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ [البقرة: 273]
ودعا إليها الأغنياء الذين
قد تمتد مطامعهم إلا من يتكفلون به من اليتامى، فيأكلون من أموالهم، قال تعالى: ﴿وَمَنْ
كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ
بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 6]
ولهذا كان رسول الله a
يحذر من كل ما يمس بهذا النوع من العفة، لتأثيره الخطير، لا على المجتمع فقط
بمزاحمة الأغنياء للفقراء، وإنما على النفس أيضا، ذلك أن لأمثال تلك السلوكات
آثارها في جميع الصفات.. فالنفس كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد
بالسهر والحمى..
وهكذا السؤال والشحاذة
يجعلان النفس أمة للأموال وأصحابها، ذليلة بين أيديهم، ومستعدة لأن تترفع عن كل
مكارمها في سبيل إرضائهم.
ومن تلك الأحاديث ما روي
عن بعض أصحاب رسول الله a أنه قال: سرّحتني أمّي إلى
رسول الله a، فأتيته وقعدت فاستقبلني، وقال: (من استغنى أغناه
الله عزّ وجلّ، ومن استعفّ أعفّه الله عزّ وجلّ، ومن استكفى كفاه الله عزّ وجلّ
ومن سأل وله قيمة أوقيّة، فقد ألحف)، وبعد أن سمع الصحابي هذا، قال في نفسه: (ناقتي
الياقوتة خير من أوقيّة فرجعت ولم أسأله)([894])
وروي أن ناسا من الأنصار
سألوا رسول الله a، فأعطاهم، ثمّ سألوه فأعطاهم،