اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 221
وذلك الاستعداد يبدأ
بتطهير عين النفس من كل المثالب التي تحول بينها وبين الرؤية السليمة.. فكما أن
القذى قد يحول بين البصر والرؤية؛ فكذلك الذنوب والمعاصي والمثالب تملأ عين القلب
بما يحول بينه وبين الرؤية النافذة.
ولهذا كان الاستعداد
بمثابة توفير الزيت والسراج والفتيلة، وانتظار الشعلة الربانية التي تجعل من ذلك
السراج المظلم سراجا مضيئا، كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي
زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ
مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا
يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ
لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النور: 35]
وهذا يدل على أنه كلما
كانت الزيت أكثر صفاء، وكان الزجاج أكثر رقة، كلما كان المصباح أكثر إضاءة.. وبذلك
اختلفت درجات البصيرة باختلاف درجات الاستعداد.
وبما أن درجات الاستعداد
لا نهاية لها.. فكذلك درجات البصيرة لا نهاية لها.. فمن الناس من يصل سراجه إلى
حدود الدائرة التي يعيش فيها.. ومنهم من يمتد إلى الآفاق.. ومنهم من يخترق الزمان
والمكان.. وبقدر نور سراج القلب بقدر رؤيته للحقائق، وتمثلها فيه.
وقد أشار الحكماء إلى ذلك،
فقال أحدهم: (البصيرة على ثلاث درجات: الدرجة الأولى: أن تعلم أن الخبر القائم
بتمهيد الشريعة يصدر عن عين لا تخاف عواقبها، فترى من حقه أن تلذه يقيناً، وتغضب
له غيرةً.. والدرجة الثانية: أن تشهد في هداية الحق وإضلاله إصابة العدل، وفي
تلوين أقسامه رعاية البر، وتعاين في جذبه حبل الوصال.. والدرجة
اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 221