اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 220
البصیره
النافذ
كتبت إلي ـ أيها المريد
الصادق ـ تسألني عن البصيرة النافذة المنورة بنور الإيمان، وحقيقتها، ودرجاتها،
وعلاقتها بالنفس المطمئنة، وهل هي موهبة إلهية مجردة، يجبل عليها صاحبها، أم أنها
يمكن أن تكتسب، وكيف يكون ذلك؟
وجوابا على سؤالك الوجيه
أذكر لك أن العدل الإلهي يقتضي أن يتساوى الخلق في توفير الفرص لنيل المواهب؛
مثلما يُوفر الخلق لبعضهم البعض الفرص في الجوائز التي يضعون لها مسابقات خاصة، من
فاز بها نالها.. وليس الخلق بأعدل من الله.
ولذلك؛ ينص القرآن الكريم
على أن كل شيء فضل إلهي.. حتى الهداية، فهو يقول عنها: ﴿ إِنَّكَ لَا
تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القصص: 56]، وذلك لا يعني أن الله تعالى يفرض هدايته
على من لم يردها، ولا أنه يحرم منها من أرادها، وإنما يعني أن الله تعالى قد وفر
الهداية، ووفر أسبابها، ولذلك من شاء أن يأخذها أخذها، وهو حين ذلك لا يأخذها
بنفسه، وإنما يأخذها من الله، ولولا الله لم يهتد.
وذلك مثلما يحصل في
المسابقات التي يقيمها البشر؛ فإنهم مع إقرارها باستحقاق الفائز للجائزة إلا أنهم
ينسبونها لمن أعطاها، ويعتبرون ذلك فضلا منه، ويشكرونه.
وهكذا الأمر في كل المواهب
الإلهية.. ولذلك أمرنا أن نقول في كل صلاة: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5]، فالأولى تعني المجاهدة والعمل والكسب، والثانية
تعني الفضل الإلهي الذي يتنزل على المستحقين.
إذا عرفت هذا ـ أيها
المريد الصادق ـ فاعلم أن البصيرة من تلك المواهب الإلهية التي تتنزل على من وفر
لنفسه الاستعداد لاستقبالها.
اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 220