اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 212
وهكذا في القيم الروحية؛
فصاحب الهمة العالية لا يكتفي بالفرائض، وإنما يضم إليها النوافل.. ولا يكتفي
بالذكر القليل، بل يسارع إلى الذكر الكثير.. ويكون حاله كحال أولئك الذين وصفهم
الله تعالى بقوله: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا
ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا
يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ
رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا
تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: 15 - 17]
ولهذا لا يكتفي باتباع
عامة الناس البسطاء، وإنما يكون قدوته الرسل وورثتهم من الذين اكتملت لهم الهداية،
وكمل عندهم الصدق، كما قال تعالى ـ بعد ذكره للأنبياء عليهم السلام ـ: ﴿أُولَئِكَ
الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: 90]
وهكذا في وظائفه
الرسالية، لا يقف موقف المحايدين الساكنين الخاضعين الذين يتملصون من مسؤولياتهم
اتباعا للرخص، وإنما يضحي بكل شيء في سبيل رسالته اتباعا للأنبياء عليهم السلام
وورثتهم الصادقين.
ولهذا لم ينصر الله
تعالى رسله عليهم السلام بالمعجزات التي تقطع دابر المعتدين، وإنما نصرهم بجهودهم
الشخصية، وبتلك الهمم العالية التي لا تبالي في سبيل الله ما يصيبها من ضيق وضنك
وألم حتى يصبحوا حججا لأممهم في ذلك.
ولهذا قال الله
تعالى على ألسنة رسله مخاطبين أقوامهم:﴿ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا
آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾
(إبراهيم:12)
أما محمد a.. قدوتنا الأكبر، وأسوتنا الأعظم، فأنت تعلم ـ أيها
المريد الصادق ـ ما حصل له.. لقد أُخرج من داره من مكة، ورُجم بالحجارة في الطائف
حتى سال دمه، وهاجر إلى المدينة فارًا بدعوته، وجاهد حتى كسرت رباعيته، وشج وجهه،
وكان يؤذى في صلاته، وهو بمكة قبل
اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 212