اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 173
كتبت إلي ـ أيها المريد
الصادق ـ تسألني عن الإخلاص والتجرد، وحقيقتهما، ومنزلتهما، وكيفية التحقق بهما.
وجوابا على سؤالك الوجيه
أذكر لك أن الإخلاص والتجرد من المنازل الضرورية للنفس المطمئنة، فلا يمكن أن
تتحقق بطمأنينتها، ولا أن تصل إليها ما لم تتخلص من كل الشوائب التي تحول بينها
وبين التوجه الصادق إلى ربها.. وما لم تتجرد من كل الدوافع والغايات والأهداف سوى
غاية واحده هي ربها.
فالإخلاص هو تخلص الأعمال
والأحوال والمواقف وكل ما يبرز من النفس من كل شائبة تحول بينها وبين التوجه
الصادق إلى ربها، مثلما يتخلص اللبن من كل الشوائب التي مر عليها، كما قال
تعالى:﴿ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ
(66)﴾ (النحل)، فخلوص اللبن أن لا يكون فيه شوب من الدم والفرث ومن كل ما
يمكن أن يمتزج به.. وهكذا الإخلاص فإن فرثه ودمه هو الإشراك، فمن ليس مخلصاً فهو
مشرك..
وبما أن الشرك منه خفي،
ومنه جلي، فهكذا الإخلاص، فمنه خفي وجلي.. ولذلك اختلفت درجات المخلصين بقدر
تخلصهم من تلك الشوائب، كما عبر عن ذلك بعض الحكماء، فقال: (تتشعب إرادات الإخلاص إلى: إرادة الإخلاص على التعظيم لأمر الله.. وإرادة
الإخلاص لطلب الأجر والثواب.. وإرادة الإخلاص في تصفية العمل عن الشوائب لا يراعي
فيه غير ذلك.. وكل هذه الإرادات.. فمن تمسك بواحدة منها، فهو مخلص، ﴿ هُمْ
دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [آل
عمران: 163])([342])
[342]
احمد بن محمد بن عباد، الموارد الجلية في أمور الشاذلية، ص 101.
اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 173