اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 157
كتبت إلي ـ أيها المريد
الصادق ـ تسألني عن التفويض والتوكل، ومنزلتهما، وحقيقتهما، وكيفية التحقق بهما،
ومراتب ذلك ودرجاته.
وجوابا على سؤالك الوجيه
أذكر لك أن التفويض والتوكل من المنازل الضرورية للنفس المطمئنة، والتي لا يمكن أن
تكون مطمئنة من دونها، ذلك أنها ترتبط بتصديق الله تعالى فيما أخبر عباده عنه من
قيامه بشؤون خلقه، ورحمته بهم، وتدبيره لأمورهم.
وكل ذلك يجعل النفس ممتلئة
بالراحة لتدبير الله تعالى، ولذلك تكل كل شؤونها إليه رضى وثقة بكونه أدرى
بمصالحها منها.. وذلك ما يُطلق عليه التفويض، وهو (ألطف إشارة، وأوسع
معنى من التّوكّل، فالتّوكّل يكون بعد وقوع السّبب، أمّا التّفويض فإنّه يكون قبل
وقوع السّبب وبعده، والتّفويض هو عين الاستسلام، أمّا التّوكّل فهو شعبة منه)([313])
ويشير إلى ذلك قوله تعالى
على لسان مؤمن آل فرعون: ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ
أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [غافر: 44]، أي
أن مؤمن آل فرعون بعد أن أدى رسالته، تخلص من كل ألوان التدبير التي تدعوه لإنقاذ
نفسه من بطشه، وقد ذكر الله تعالى عاقبة ذلك التفويض، فقال: ﴿فَوَقَاهُ
اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾
[غافر: 45]
ولهذا يعتبر الحكماء
التفويض أعلى درجات التوكل، كما قال بعضهم معبرا عن ذلك: (التوكل ثلاث درجات:
التوكل ثم التسليم ثم التفويض؛ فالمتوكل يسكن إلى وعده،