اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 125
وصف الصالحين: (هم قوم هجم بهم العلم على حقيقة الأمر، فباشروا
روح اليقين واستلانوا ما استوعره المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا
الدّنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحلّ الأعلى أولئك خلفاء الله في أرضه والدّعاة
إلى دينه)([231])
وهذا يدل على أن الأنس هبة من الله تعالى للذين بذلوا مهجهم في
المجاهدات والرياضات التي تؤهل نفوسهم للتقرب من الله تعالى، كما عبر الشاعر عن
ذلك بقوله:
الأنس بالله لا
يحويه بطال.. وليس يدركه بالحول محتال
و الآنسون رجال
كلهم نجب.. وكلهم صفوة لله عمال
ولذلك فإنه فضل إلهي يغمر القلوب بالفرح والسعادة لقرب ربها
منها، وشعورها بـ (الاعتماد على الله، والسكون إليه، والاستعانة به)([232]).. و(الفرح بوجدان حضرته، والسكون إلى عنايته، والاستعانة به على وجد
معيته)([233])
وهذا الأنس يبدأ من أول
مراحل السلوك، ويبقى مع المريد مصاحبا له في كل منزل ينزل فيه.. وقد كتب بعضهم إلى
مريد له يقول: (ليكن أنسك بالله، وانقطاعك إليه، فإن لله تعالى عباداً استأنسوا
بالله فكانوا في وحدتهم أشد استئناساً من الناس في كثرتهم، وأوحش ما يكون الناس،
ما آنس يكونون، وآنس ما يكون الناس أوحش ما يكونون)
وحكي عن آخر أنه رؤي مرة
مبتسماً فقيل له: من أين لك هذا الانشراح ؟ فقال: (أعطوني الصباح شراباً يقال له
شراب الأنس، فاليوم يوم عيد أسلمت نفسي للابتهاج فيه)
لكن هذا الحال مع شرفه وفضله إلا أنه يحتاج إلى الهيبة والتعظيم حتى
لا يتحول إلى