اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 124
له الجبار من أستار غيبه،
فإن تكلم فباللّه، وإن نطق فعن اللّه، وإن تحرك فبأمر اللّه، وإن سكن فمع اللّه
فهو باللّه وللّه ومع اللّه) ([229])
وقال آخر: صحبت رجلا يعرف
بالواله، مدة سنة، فلم أسأله عن مسألة، ثم قلت له يوما: إيش المعرفة التي ليس
فوقها معرفة؟ فقال: أن تجد اللّه أقرب إليك من كل شي ء وأن تمحي من سرائرك وظواهرك
كل شي ء غيره، فقلت له: بأي شي ء يوصل إلى هذا؟ فقال: بزهدك فيك وبرغبتك فيه.
إذا عرفت هذا ـ أيها المريد
الصادق ـ فاعلم أن تلك الأحوال التي يذكرها هؤلاء عن أنفسهم، لا تعني علو
المنزلة أو نزولها، وإنما تعبر عن الحالة النفسية التي يمر بها السالك إلى الله،
كما عبر عن ذلك بعضهم، فقال في التفريق بين الأنس والهيبة: (هما حالتان
من أحوال السالكين، وذلك أنه حين يتجلى الحق تعالى على قلب العبد بشاهد الجلال
يكون نصيبه في ذلك الهيبة، وحين يتجلى على قلبه بشاهد الجمال يكون نصيبه في ذلك
الأنس، ليكون أهل الهيبة من جلاله في تعب، وأهل الأنس من جماله في طرب، وفرق بين
القلب الذي يحترق من جلاله في نار المحبة، والقلب الذي يضيء من جماله في نور
المشاهدة)([230])
وهذا لا يعني تفضيل الأنس
على الهيبة، بل لكل منهما محله الخاص، والمرتبط بما ورد في النصوص المقدسة من تقلب
القلوب بناء على الخواطر والإلهامات التي تخطر عليها.
الأنس بالله:
ومن ألذ تلك الأحوال ـ أيها المريد الصادق ـ
الأنس
بالله، ذلك أن النفس تشعر فيه بقربها من ربها، وعدم وجود أي حجاب بينها وبينه، كما
عبر الإمام عليّ عن ذلك بقوله في