اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 115
بحيث لا تريد أن يفارقك،
مع شعورك بالراحة التامة عند لقائك به، أو حصولك عليه، وبالشوق الشديد عند غيابه
عنك، أو فقدانك له.
فالمحبة واحدة.. والعبرة
بالوجهة التي تتوجه إليها.. فبحسب القبلة التي يتوجه لها الحب يكون حاله.. وبحسب
لباسه يكون شكله.. فإن توجه إلى قبلة الجمال والخلود والسمو ظفر بسلام الحب ولذته
وجميع نشواته.. وإن توجه إلى قبلة الدمامة المصبوبة في قوالب الجمال، والفناء
المتستر بأوهام الخلود، والانتكاسة المصورة في صورة الرفعة، ظفر بالحب المملوء
بالصراع والذلة والجنون.
ولذلك أجاب الإمام الصادق
من سأله عن العشق، فقال: (قلوب خلت عن ذكر الله، فأذاقها الله حب غيره) ([219])
ولذلك؛ فإن الفرق بين الحب
المقدس والحب المدنس، ليس في حقيقة الحب، ولكن في القبلة التي يتوجه إليها،
والثمار التي يثمرها.
أما قبلة الحب المدنس، فهي
تلك الأهواء المزينة له، والتي سرعان ما تتحول إلى عذاب يتعذب به في الدنيا قبل
الآخرة، وقد قال بعض الحكماء في ذلك: (انقلاب الصفة مؤذية يضاهي انقلاب العشق
مؤذيا عند موت المعشوق، فإنه كان لذيذا فطرأت حالة صار اللذيذ بنفسه مؤلما، حتى
يرد بالقلب من أنواع العذاب ما يتمنى معه أن لم يكن قد تنعم بالعشق والوصال. بل
هذا بعينه هو أحد أنواع، عذاب الميت، فإنه قد سلط العشق في الدنيا على نفسه، فصار
يعشق ماله، وعقاره، وجاهه، وولده، وأقاربه، ومعارفه، ولو أخذ جميع ذلك في حياته من
لا يرجو، استرجاعه منه فما ذا ترى يكون حاله؟ ليس يعظم شقاؤه، ويشتد عذابه، ويتمنى
ويقول ليته لم يكن لي مال قط، ولا جاه قط، فكنت لا أتأذى بفراقه؟