اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 113
وفي الحديث عن رسول الله a:
(من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)، فقيل له:
إنا لنكره الموت، فقال: (ليس ذاك؛ ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله
وكرامته فليس شيءٌ أحب إليه مما أمامه؛ فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن
الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه؛ فكره لقاء
الله وكره الله لقاءه) ([215])
وقبل ذلك يدل عليه قوله
تعالى مخاطبا اليهود: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ
عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 94، 95]
ثم بين علة ذلك، فقال: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ
أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ
لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ
وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 96]
وهي تدل على أن كراهتهم
للموت ناشئة من حرصهم الشديد على الحياة، وليس طلبا للاستزادة من أعمال الخير؛ ذلك
أنها لا تدل على كراهية لقاء الله.
ولهذا اعتبرها الحكماء من
الأسباب المشروعة لكراهة الموت، ذلك أنه لا يكرهه لذاته، ولكونه محل اللقاء، وإنما
(يكره عجلته قبل أن يستعد للقاء اللَّه، فذلك لا يدل على ضعف الحب، وهو كالمحب
الذي وصله الخبر بقدوم حبيبه عليه، فأحب أن يتأخر قدومه ساعة ليهيئ له داره، ويعد
له أسبابه، فيلقاه كما يهواه فارغ القلب عن الشواغل، خفيف الظهر عن العوائق.
فالكراهة بهذا السبب لا تنافي كمال الحب أصلا، وعلامته الدؤوب