اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 110
وقد اتفق على منزلة المحبة، وآثارها التربوية والروحية الكثيرة
كل الحكماء
والعقلاء، وقد قال بعضهم معبرا عن ذلك: (إن المحبة للَّه هي الغاية القصوى من
المقامات، والذروة العليا من الدرجات فما بعد إدراك المحبة مقام إلا وهو ثمرة، من
ثمارها، وتابع من توابعها، كالشوق، والأنس، والرضا وأخواتها، ولا قبل المحبة، مقام
إلا وهو مقدمة من مقدماتها، كالتوبة، والصبر، والزهد وغيرها) ([212])
وقال آخر: (المحبة هي المنزلة التي
فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى علمها شمر السابقون، وعليها
تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروّح العابدون، فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة
العيون، وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو
في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلّت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من
لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، وهي روح الإيمان والأعمال، والمقامات والأحوال،
التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه، تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا
إلا بشقّ الأنفس بالغيها، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبدا واصليها،
وتبوّؤهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها، وهي مطايا القوم التي
مسراهم على ظهورها دائما إلى الحبيب، وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم
الأولى من قريب، تاللّه لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة، إذ لهم من معية
محبوبهم أوفر نصيب) ([213])
واتفقوا على أن تلك المشاعر الرقيقة التي يجدها المحبون لله، هي
التي تعطي الطعم الحقيقي للدين؛ فالدين الخالي من المحبة مجرد رسوم وطقوس، قد تحرك
الجسد، لكنها لا