ولهذا ربط رسول الله a
الإيمان الحقيقي بالمحبة، فقال لمن سأله عن الإيمان: (أن يكون الله ورسوله أحبّ
إليك ممّا سواهما)([208])
وأكد ذلك في حديث آخر، فقال: (لا يؤمن أحدكم حتّى يكون الله
ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما)([209])
وكل ذلك بسبب الآثار العظيمة التي تحدثها المحبة، فبها يتحول
الإيمان ومقتضياته من تكاليف شاقة مملوءة بالحرج، إلى معاني رقيقة سامية ممتلئة
بكل أصناف الراحة والسعادة، كما عبر الإمام علي عن ذلك بقوله: (حبّ الله نار لا
يمرّ على شيء إلّا احترق، ونور الله لا يطلع على شيء إلّا أضاء، وسماء الله ما
ظهر من تحته من شيء إلّا غطّاه، وريح الله ما تهبّ في شيء إلّا حرّكته وماء الله
يحيى به كلّ شيء، وأرض الله ينبت منها كلّ شيء، فمن أحبّ الله أعطاه كلّ شيء من
الملك والملك)([210])
وقال الإمام الصادق معبرا عن منزلة المحب من الدين، وآثارها على
النفس: (حبّ الله إذا أضاء على سرّ عبد أخلاه عن كلّ شاغل وكلّ ذكر سوى الله،
والمحبّ أخلص الناس سرّا لله وأصدقهم قولا وأوفاهم عهدا وأزكاهم عملا وأصفاهم ذكرا
وأعبدهم نفسا يتباهى به الملائكة عند مناجاته وتفتخر برؤيته، وبه يعمر الله تعالى
بلاده وبكرامته يكرم الله عباده، يعطيهم إذا سألوه بحقّه، ويدفع عنهم البلايا
برحمته، فلو علم الخلق ما محلّه عند الله ومنزلته لديه لما تقرّبوا إلى الله إلّا
بتراب قدميه) ([211])