وعندما
رأى بعض الزهد في هذا النوع من المعرفة قال: (لو يعلم الناس ما في فضل معرفة الله
عز وجل ما مدوا أعينهم إلى ما متع الله به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها،
وكانت دنياهم أقلَّ عندهم مما يطوونه بأرجلهم، ولنَعِمُوا بمعرفة الله عز وجل
وتلذذوا بها تلذذ من لم يزل في روضات الجنان مع أولياء الله) ([197])
ثم
فصل بعض آثار ذلك بقوله: (إن معرفة الله عز وجل أنْسٌ من كل وحشة، وصاحبٌ من كل
وحدة، ونورٌ من كل ظلمة، وقوةُ من كل ضعف، وشفاءٌ من كل سقم)([198])
ثم
بين دور تلك الأذواق الحلوة اللذيذة في الصبر على البلاء الذي يتعرض له المؤمنون،
فقال: (قد كان قبلكم قوم يقتلون ويحرقون وينشرون بالمناشير، وتضيّق عليهم الأرض
برحبها، فما يردّهم عما هم عليه شي ء مما هم فيه من غير ترة وتروا من فعل ذلك بهم،
ولا أذى مما نقموا منهم إلاّ أن يؤمنوا باللَّه العزيز الحميد، فاسألوا ربّكم
درجاتهم، واصبروا على نوائب دهركم تدركوا سعيهم) ([199])
وعلى
هذا اتفق كل الصالحين والحكماء الذين جربوا أثر الإيمان في النفس، وذاقوا المشاعر
الطيبة المرتبطة به، وقد قال بعضهم معبرا عن ذلك: (من عرف الله قرّت عينه بالله
وقرّت به كلّ عين، ومن لم يعرف الله تقطّع قلبه على الدّنيا حسرات، ومن عرف الله
لم يبق له رغبة فيما سواه) ([200])